من قصائد أستاذ الأجيال
الشاعر الثائر الاديب الدكتور عبد العزيز صالح المقالح
.............
وقوفا : يقول التراب
وقوفا : تقول الحجارة ،
طعمُ الحياة لذيذ كطعم الممات
دفاعا عن الأرض ،
عن نخلة في السجون تقدم خاتم خطبتها
للذي إن دعته الزنازن لم يتردد
وإن دعته المشانقُ لم يتردد
( شهيد الهوى )
للذي لا يساوم في لحم اطرافها
للذي لا يخون دماء التراب
******
أيها المستحمون بالوحل
صوتُ الهوى في دم العاشقين كتاب من الحلم
يفضحكم
العيونُ المليئة بالصمت خلف المشانق تفضحكم
جسدُ العاشق المتأرجح في زحمة الليل يفضحكم
أين ؟
أين تولون أدباركم ؟!
ساعة الدم دقت
وطفل يسمونه العدل
طفل يسمونه الغد
ينمو ،
على شجر الدم تمتد اذرعه
وتصيرُ له عضلات من الصخر
ها هو ذا قادم
كلما ارتفعت في الميادين مشنقة زاد عنفا
وتخضر أحلامه في الزنازن
لا تفرحوا
إن موت المناضل نصر له
إن سجن المناضل وعد بوصل المطر
****
أيها المتعجلُ قتلي
لماذا يطاردني حقدُك الهمجي
ويرعبني ظلك المتوحش ؟!!
إن سلاحي هو الحرف والكلماتُ الحزينةُ
في ساحة الحب أعزفُ لحنا من الورد ،
أعزف لحنا من الشوق
هل تتذكر ما الحب يا قاتل الشجرات العظيمة ؟
للحب أشرعة وطيور من النور
أسرابها تتجول في ليل عينيك
تكتب من دمها في جدار العشيات :
( إن غاب وجهي
وغيبني حقدك الهمجي
فإن الأغاني ستذبل
أما أنا فسأبقى
وتبقى دمائي تدق نوافذ كل القلوب
تحاصر حقدك عبر جميع الجهات
وتمنعُ عنك التنفس ، والماء ، والغفوات
وإن لم تمت فزعا
سوف تقتلك الكلمات..)
****
يخلع الدمُ صك عبوديتي ومراسيم خوفي
وأنا المتدثرُ بالحزن يغسلني فرح خالدُ
كلما دقت الساعة الدم
أعلنت مبتهلا رافع الكف :
إن صلاتي لله .. للشعب .. للفقراء دمي
كل قطرة دمع ترقرقُ من عين أرملة
تتحول مشنقة وقبورا
تدق بأحزانها ساعة الدم
فانتظري أينا الزبد الطفحُ
ولتعلمي أينا سوف يطرده الله من عطفه
وإذا مات من ستلاحقه لعنةُ الدم
من سوف ينمو على قبره شجرُ اللعنات ؟!
..................
هل أخطأتُ طريقي
حين اخترتُ الحرفَ فضاءً وجناحا
أُطلق قلبي في ملكوت الذكرى
أبحث في نفقٍ لا ضوءَ بهِ
عن برقٍ مسجونٍ يرسم لليل صباحا ؟
هل أخطأتُ طريقي
فانسكب الحرفُ على دربي شوكاً وجراحا
(2)
يا أُمّي
كنتُ جنيناً في جوف الوردْ
وكان الوردُ جنيناً في جوف الماءِ
وكان الماءُ جنيناً في جوف الرعدْ
كيف تخلّى عني الوردْ
تخلّى جسدي عن روحي
كيف تخلّى الماءُ عن الماءِ الرعدِ - الوعدْ ؟
(3)
تحملني الريحُ على أطراف أصابعها
ويواريني الليلُ على أطراف أصابعهِ
وكبوذيٍّ
يتسوّل لغةً من تابعهِ
أتعثّرُ،
أغفو،
أشكو،
فيُـلبّيني صمتي بمواجعهِ
وينام على صدري كلَّ مساءْ .
(4)
دثَّرني صمتي بلحافٍ من ماء الكلماتْ
وأخفى رأسي تحت سحابتهِ
لم أندم، عانقتُ الصمتَ
وأيقظتُ حروفي وطقوسَ شجوني فيهِ
وأطلقتُ لأجفاني ماءَ الحزنِ
وغيمَ الحسراتْ .
(5)
نصفُ بلادٍ لا تكفي
نصفُ صباحٍ لا يكفي
نصف صديقٍ لا يكفي
ويخاتلني فرحٌ ينشر ضوءاً مكسوراً
فوق مسائي
أيّةُ أشباحٍ تسرقُ نصفي
أيُّ غرابٍ يصطاد إذا جاء الليلُ
غِنائي ؟
(6)
عيناكِ غدي
عيناكِ ظلالٌ ترقصُ فوقَ بقايا
جسدي
يا واحةَ ضوءٍ بضفائرها
تنهلُّ
وتغسل قمصانَ الخوفِ
تُبلّـل بالذكرى كبدي
عيناكِ غدي .
(7)
يتخلّى عني الأصحابُ
فأهجرهم
وأرى في الشمس، وفي الشجر الأخضرِ
في الورد، ملايينَ الأصحابْ
يهجرني الشعرُ
فأشعر أنّ حدائقَ روحي معتمةٌ
وجدارَ القلبِ بلا نافذةٍ أو بابْ
....
....
يتخلّى عني السلطانْ
فتخضّر الروحُ بوديان من وردٍ
ورياحينْ
وأرى قفصاً يتهاوى
وقيوداً حولي تتساقطُ
وأفرّ كعصفورٍ يتشوّق للشمسِ
وللنسماتْ
وتفلتُ روحي من جثثٍ
ووجوهٍ كالأحذية الملقاةِ
على العتباتْ .
................
قصيدة خطاب مفتوح الى أيلول ( 26) سبتمبر
إلى المسئول الذي طلب إليه صديق مناضل أن يجدد
له جواز سفره فقال:أنت من الغرباء ، وباسم ذلك المناضل الشريف كانت هذه القصيدة .
------------------
أنت يامحبوبنا
يا من عبرنا نحوه جسر الدماء
يا أبانا
أنت تدري أننا نحن بنوك
أمّنا حين أتينا
لم تكن قد عرفت بعد الزنا
لم يكن ضاجعها بعدُ "أخوك"
لا ولا مرت بعينيها خيول الدخلاء
فلماذا يزدرينا سارقوك ؟
كيف صرنا غرباء ؟
**********
( تلخيص )
قتل الليل الصباح
نزفت من كل نجمٍ والتظت سود الجراح
سجن الموج الرياح
**********
أنت تدري أننا نحن بنوك
كم زرعناك على أعماقنا
ونقشناك على أحداقنا
والذين اغتصبوك
قتلوك
خلف بئر الحزن - يوما - صلبوك
كلهم لا ينكرون
أننا نحن البنون
فلماذا يا أبانا
لا ترانا
كيف نمضي غرباء
سئم الليل أسانا
وبكانا
ملت الغربة مثوانا .. وضاقت بخطانا
كلما هم شريد أن يعود
رفعوا في قفر عينيه الجدار
أطلقوا وحش الحدود
صادروا كل طريق للديار
**********
( تلخيص )
خشب السفن احترق
نقشت في كل عين ربةُ الشوق الأرق
نهش الحزن الحدق
**********
أنت يا محبوبنا
يا من وهبنا فجره أغلى الجماجم
كيف أصبحت غريبا
والبنون ...
تائهون ...
في دجى ليل من الغربة قاتم
كل عام يفتح الإرهاب أبواب السجون
لنرى وجهك كالمصلوب واجم
باسمه يحتفلون
باسمه تُنصب للناس المشانق
تحصد الشعب البنادق
وإذا رن على الأفق عتاب
قال جلاد الضحى في بربرية :
لا تخف يا ملك الصحراء
يا وحش الضباب
إنما نبصق في وجه الملايين الغبيه
بشعارات السلام
لتدب الحشرات الآدمية
وتنام
كلما مر على "أيلول" عام
سبتمبر 1968م
...................
الصمت عار
الخوف عار
من نحن
عشاق النهار
نحيا
نحب
نخاصم الاشباح
نحيا في انتظار
سنظل نحفر في الجدار
اما فتحنا ثغرة للنور
او متنا على وجه الجدار
لا يأس تدركه معاولنا
ولا ملل انكسار
ان اجدبت سحب الربيع
وفات في الصيف القطار
سحب الربيع ربيعنا
حبلى بامطار كثار
ولنا مع الجدب العقيم
محاولات واختبار
وغدا يكون الانتصار
وغدا يكون الانتصار
..............
قصيدة عصر يهوذا
........
وكان " يهوذا " هناك
يقبل رأس " المسيح "
ويشرب نخب الإله
وفي كل رشفة كأسٍ يصلّي
يناجي .. يصيح
يعيش الإله
يعيش الرسول ، وشعب الرسول الذبيح
ويقرأ مستغرقاً في خشوع
حكايات من صُلبوا في الطريق
وفي عينه يرقص الحزن
تبكي الدموع
وفي صوته يتعالى حريق
**********
وعند الصباح يموت النهار
ويرقد فوق الصليب الرسول
وخلف السجون يعاني ، يموت الإله
وتغرق "روما" بأحزانها ، بالذهول
وتًدمي المسامير والشوك وجه الحياة
ويبدو هناك "يهوذا" بقصر الزعيم
يغني يدق الطبول
" يعيش الزعيم العظيم
يعيش الذي شد كل الجباه
إلى الشمس .. شد عيون الحفاة "
وفي جفنه يرقص الحقد ، يطفو المرح
وفي شفتيه الطحالب تنمو
وفي صوته يتلوى الفرح
**********
مشيتُ ...
مشيت بأقدام قلبي
لعلي أحس على الأرض صدقا
لعلي أعانق حقا
مشيت مع الشمس غربا
رحلت مع الفجر شرقا
وجدت - يهوذا - هنا يأكل الجائعين
ويسمع أقوالهم في شجاعة
وكان هناك يداعبهم خائفين
ويأكل أحلامهم في براعة
"يهوذا" هنا .. وهناك الأمين
وصاحب كل الطقوس المباعة
ونحن البضاعة
ونحن الجموع المضاعة
نغير لون الوجوه
نغير أدوارنا كل يوم ليرضى الزعيم
لكي لا نتوه
ويُلقى بنا غاضبا في الجحيم
**********
كفرتُ بهذا الزمان
بكل الزمان
كفرتُ بصمت الكهوف
بلون الحروف
بهذي القصيدة
بكل قصيدة
بكل عقيدة
بدين "يهوذا"
بعصر "يهوذا"
بما تكتبون
بما تقرأون
تعالوا لكي تصلبوني
لكي تنقذوني
فاني كفرت بعصري
بنفسي
بإنسان عصري
فلا ترحموني
فلا ترحموني
...............
قصيدة "إلى فأر"
ذهبت مثلما أتيت ملعون المساء والنهار..
أيامك الطوال عار..
وعهدك القصير عار..
أكبر منك نملة..
أشهر منك ريشة على جدار..
يا أمسنا الذبيح..
يا فأرنا القبيح..
يا قاتل الأطفال يا مهدم الحياة والديار..
ظننت أنك الإله.. أننا العبيد..
تفعل ما تريد..
تعبث في مصائر العباد..
فخانك الظن وخانك الرشاد..
أصبحت كومة من الرماد..
تنام في انفراد..
تصحو على انفراد..
تسألك الريح، يسألك الجماد..
ماذا صنعت قل..
ماذا صنعت للبلاد؟..
ماذا تركت من ذكرى على ضميرها ومن أمجاد؟..
لا شيء يا صغير..
لا شيء غير لعبة المزاد..
رفاقك القرَاد والقوَاد..
وعاصف الفساد..
ماذا تركت للذين يقرأون؟..
ماذا سيكتب الأطفال عنك حين يكبرون؟..
سيكتبون.. مر من هنا منتفخاً..
فأر صغير يرتدي ثوب مغامر جلاد..
..............
0 تعليقات